كان من الحكمة في الحوار و المناظرة أن يخاطِبَ المُنَاظِرُ الناسَ بما يفهمون ، و أن يؤخذوا بقدر عقولهم ، فإذا كان في الحوار معهم مصلحة راجحة فلا بأس في ذلك على الظاهر ، شريطة أن لا يؤدي الأمر في النهاية إلى فتنة أهل الحق ، أو تقوية أهل الباطل ؛ بتقديم ما يمكن أن يستغلوه في إشاعة و تثبيت باطلهم ، أو التشكيك في الحق ، و الطعن في أهله , أو اللمز في أفكارهم ومعتقداتهم التي شابت لحاهم وهم عليها ،. ولابد للجميع من التطرق إلي ما في كتاب الله من أمثلة من التنزيل في الحوار مع المشركين على نحو لا يشكل على من أحسن فهمه و تدبَّره .فقد حاكى القرآن الكريم تنزل مؤمن آل فرعون في خطاب قومه حيث قال عن نبي الله موسى عليه السلام و ما جاءهم به من عند الله فيما حكاه عنه رب العالمين : ( وَ إِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) [ غافر : 28 ] .قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : تَنَزَّلَ مَعَهُمْ فِي الْمُخَاطَبَة فَقَالَ : ( وَ إِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبه وَ إِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْض الَّذِي يَعِدُكُمْ ) ؛ يعني : إذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم به فمن العقل و الرأي التام و الحزم أن تتركوه و نفسه فلا تؤذوه ؛ فإن يك كاذباً فإن الله سبحانه و تعالى سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا و الآخرة ، و إن يك صادقاً و قد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم ؛ فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذابٍ في الدنيا و الآخرة )و أمر الله تعالى نبينا الكريم بأن يتنزل في حواره مع المشركين ، فقال: ( قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَ لا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ).فانظر كيف عبَّر بلفظ الإجرام في قوله : ( لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ) عما يفعله المؤمنون مع براءتهم من الإجرام و أهله في حقيقة الأمر ، في مقابل التعبير بمجرد العمل لما تقترفه أيدي المخالفين مع ما يقع في أفعالهم من إجرام حقيقي في حق أنفسهم و حق المسلمين ، حيث قال : ( وَ لا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .و لا ريب أن ذكر الإجرام في حق المؤمنين ليس إلا تنزلاً في حوار الخصم .و مثل ذلك قوله تعالى لنبيه الكريم) : ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) ، فمجرد افتراض أن يكون لله ولد أمر محال شرعاً و عقلاً ، و لا يشك في استحالته عوام المسلمين فكيف بنبيهم الأمين ، و لكن الله تعالى أذن له صلى الله عليه و سلم في أن يقوله للمشركين تنزلاً في محاورتهم ، لعل ذلك يلزمهم الحجة أو يهديهم للمحجة .و أمام هذه الأمثلة من كتاب الله و غيرها مما كثر وما اشتهر في الكتاب و السنة أرى أن التنزل في مناظرة الخصوم أمر واجب شريطة أن لا يؤدي ذلك إلى مفسدة أكبر ، كإمعانهم في التعنت ، أو الطعن في دين الله بسبب تنزل المتنزلين ، و اعتبار تنزلهم ضعفاً في الدين وكثيراً ما سمعنا في هذه الأيام من عصبة طالما سطروا كلماتٍ تتغنى بقيم التسامح وبالذات مع الآخر والمجادلة بالحسنى ، وكثيراً ما كنّا نسمع النقد الحاد للمسلمات الاجتماعية منهم ، وأن ما نحن عليه يخالف القيم المتحضرة ومنظومة الحداثة والتطور – زعموا - فهذا الفكر المترنح بين اليمين واليسار ، والذي يحاكي الغرب في تارة ويرمي رموز المجتمع بمنجنيق التخلف ، وهو يدّعي أنه الموكل على كل شيء ، وهو في ظني لا يملك شيئاً ، ليس لهم إلا المهاجمة ، ولو بالتعريض ، وبالتصريح أحياناً أخر وبالتصدي لكل صاحب فكر أصيل يرتشف من هدي القرآن وهدي محمد صلى الله عليه وسلم منهاجاً . وهاهم القوم في كل مرة يفضحون بمخالفة ما يدعون إليه من الكذب والبهتان الذي امتلأت به صدورهم وقلوبهم .ولا ريب أن ما يقوم به العلماء الأجلاء من إظهار الخير والذود عن الحق هو واجب على العلماء كافة وليس على عالم دون عالم استجابة لقول الله تعالى " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ . فلما لم يبين أهل الكتاب ما أمرهم الله به من الدين وأحكامه توعدهم وذمهم الله تعالى بعد أن بين أنهم أخفوا ما أنزل الله ولم يبينوه ، مكنيا عن ذلك بأنهم جعلوا ما أمرهم الله بتبليغه وراء ظهورهم ، ولكن الله يعلم ما أخفوا وإن لم يعلم الناس الذين هم في ذمة هؤلاء الأحبار والرهبان ، ولكن علماء الإسلام الصادقين يبينون ما أمرهم الله بتبليغه من أحكام دينه وأوامر شرعه الحكيم ، وعليه فما يقوم به علماء هذه البلاد لان عليهم واجب ليردعوا المنحرفين ويبينوا للجاهلين وليسعوا إلى رد الضالين عن الخوض في دين الله بهواهم وفسادهم ، وخاصة ما يتصل بالحجاب وألفاظ القرآن والسنة في الكفر والخوارج والكفار والمنافقين والولاء والبراء وغيرها من المسائل الشرعية التي يخاض فيهال هذه الأيام بجهل أو بفساد نية أو للتخريب وتعطيل أحكام الله وجر المسلمين بعيدا عن دينهم الذي هو عصمة أمرهم ، وصرفهم عن عبادة ربهم والاستجابة لأمره ، قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " .وهذه التهم التي كالوها للمجتمع من تخلف وتحجر افكار لم تزد المجتمع إلا رفعة ويبقون كالجبال الأشم الذي ترتطم بها الرياح العاتية فتعود من حيث أتت ثم تتناقص سرعتها حتى تتلاشى والغريب في الأمر أن هناك نكرات لم نسمع بهم من قبل ، قد عمدوا إلي تأجيج الفتنة والرغبة في اتساع الهوة ، وبذلك فتح المجال لكل من هب ودب أن يرد على امور شرعية الأمر فيها للكتاب والسنة .
وأخيراً أذكّر المجتمع أن ما أصابه في دينه ودنياه رفعة له ، كما أذكّر إخواني وكل من له استطاعة بالوقوف في وجه أهل الباطل ونصرة الحق وبذل الوسع في ذلك ، الوقوف سداً منيعا للحفاظ على أمن بلادنا ، وجمع الكلمة وفضح مخططات الكائدين والخونة ....سدد الله الخطاء وبارك في الجهود والله من وراء القصد ....
وأخيراً أذكّر المجتمع أن ما أصابه في دينه ودنياه رفعة له ، كما أذكّر إخواني وكل من له استطاعة بالوقوف في وجه أهل الباطل ونصرة الحق وبذل الوسع في ذلك ، الوقوف سداً منيعا للحفاظ على أمن بلادنا ، وجمع الكلمة وفضح مخططات الكائدين والخونة ....سدد الله الخطاء وبارك في الجهود والله من وراء القصد ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق