إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2008

امتلاك القوة يبدأ بامتلاك الإرداة ..


وأنا اتأمل الظروف الدقيقة التي تعيشها الأمة نتيجة للأزمات التي يواجهها العالم الإسلامي هذه الأيام ويعلم الجميع أن الإسلام دعا منذ ظهوره إلى الحوار بين الحضارات، وقد اتخذ النبي صلى اللّه عليه وسلم من العقل والحكمة، والمجادلة بالحسنى أساساً ومنهاجاً لحوار المخالفين ودعوتهم إلى الإسلام، وفق ضوابط فريدة في التسامح وتقبل التنوع الثقافي والحضاري. ولذا يخص الإسلام أهل الكتاب بالمزيد من الدعوة إلى الحوار:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ..}، ولا توجد في الإسلام مشكلة في التعامل مع الأطراف الأخرى، فهو دين أنزله خالق الناس، لا يفرق بين خلقه ولا يميز أحداً على أحد إلا بالتقوى، والعمل الصالح: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..}. ويعلم الجميع إن الحوار واجب ديني تمليه مهمة التعريف بالإسلام والدعوة اليه، ويؤكده وجوب إزالة سوء الفهم والتصورات الخاطئة التي تروج عن الإسلام عن غير المسلمين. ولذا فإننا نمر بلحظة تاريخية بالغة الخطورة والدقة ناجمة عن آثار العدوان على العراق واحتلاله، وتصاعد موجات الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، التي هي قضية المسلمين أجمعين، ومع تهديدات مليئة بالعجرفة والتعالي ضد معاقل الممانعة في الأمة خاصة في سوريا ولبنان لذا فلابد من مؤتمر يحمل هموم الأمة وأوجاعها وتطلعاتها وتصميمها ويتدارس حال الأمة في ظل التداعيات المتسارعة، وليعلن من جديد الصمود والممانعة والمقاومة في وجه سياسات الأمر الواقع التي يحاول منطق القوة أن يفرضها على المنطقة، وليفكر المجتمعون في مجموعة من الافكار والآليات التي تساهم في التصدي لكل ما يحاك ويفرض على الأمة الإسلامية. وليعلم الجميع إن امتلاك القوة يبدأ بامتلاك الارادة، وامتلاك الارادة يبدأ بالخروج من تلك العلاقة الدونية في النظرة إلى القوة الاستبدادية. كذلك فإن امتلاك الارادة والقوة معاً يرتبط بالتخلص من التفتت والتشرذم سواء أكان من خلال كيانات قطرية صغيرة حان الوقت لإعادة النظر في مسارها، أو من خلال محاولة جعل التنوع المذهبي والعرقي والفئوي سبباً للوهن، لذا فإن التكاتف الإسلامي وبصرف النظر عن الأشكال التي يمكن أن تتخذها هي اليوم ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، فالكيانات الكبيرة وحدها هي القادرة على التصدي للاملاءات الدولية. والوحدة القطرية القائمة على الإقرار بالتنوع، وحق المشاركة في صناعة القرار الوطني هي حجر الزاوية في تعظيم قوة الوطن والتصدي لأعدائه. لذا فإن الحاجة ماسة إلى تكثيف الجهد لتحقيق وقوف دول الجوار ودول الدين والعرق الواحد في مواجهة العدوان المتربص بها شعبياً ورسمياً. وفي هذا المؤتمر الذي يفرض علينا أولويات جديدة ألا وهي أولوية الأمن القومي الجماعي الإسلامي، لابد أن يؤكد المؤتمر على التمسك بالنظام الإسلامي الصحيح في إدارة شؤؤن البلدان، ومقاومة محاولة فرض النظام (الشرق الأوسطي)، وعلى ضرورة مواجهة الحملة التي تتعرض لها بعض الدول الإسلامية مع وضع برنامج عاجل لتفعيل دور رابطة العالم الإسلامي ومؤسساتها في العمل الإسلامي المشترك وتطوير عملها ووضع آليات تكفل احترام قراراتها بما في ذلك تحقيق التفاعل والتكامل بينها وبين القوى الأخرى. ولابد أن يؤكد المؤتمر على ضرورة التصدي بقوة لجماعات التحرك الصهيوني في العالم الإسلامي أياً كانت الاشكال التي تتخذها والمنابر التي تستعملها، وإدانة كل المتواطئين معها. وكذا لابد أن يعتبر المؤتمر أن وجود قواعد عسكرية أجنبية على أرض أي بلد إسلامي هو شكل من اشكال الاحتلال، يتطلب العمل على انهائه بجلاء كل جيوش العدوان وقواعده عن الأرض الإسلامية كافة، وبإلغاء كل الاتفاقيات العسكرية المبرمة معه. ويعلم الجميع أن الأمن والرفاه للشعوب كافة لا يتحققان إلا بتعاون عالمي، وبرنامج دولي يسهم في انجازه مختلف الشعوب، والقوى المحبة للخير في العالم، بحيث تشارك في ايجاد صيغة لتحقيق سلام، واقتصاد عالميين عادلين متوازنين. وكذا السعي إلى ايجاد نظام عالمي متوازن أساسه العدل وتحقيق المصالح المشتركة بين شعوب العالم على نحو متكافئ، يستوجب احترام ارادة الشعوب، وحقها المشروع في الحرية والاستقلال والامن، وتقرير مصيرها. وتعاون الناس في مجالات الخير لبناء مجتمع عالمي تحكمه القيم الصحيحة، وتتحقق فيه تنمية شاملة يستفيد منها الانسان، مما حث عليه دين الإسلام، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، وبناء الاسرة السليمة وفق الروابط الشرعية في العلاقات بين الجنسين الذي يعد أساساً لبناء مجتمعات إنسانية قوية وصحية ونظيفة ، والسعي على محاربة الإباحية والشذوذ والمخدرات والشرور والموبقات، ومعالجة آثارها السلبية على المجتمعات الإنسانية. والإسراع في معالجة مشكلات الفقر والجهل والمرض والكوارث المختلفة، ومساعدة الشعوب المحتاجة والتعاون في مجالات التنمية التي تهم الإنسان. وفي غمار الظروف الصعبة التي يجتازها العالم الإسلامي، نتوجه إلى الله العزيز الحكيم بأن يمنّ على الأمة الإسلامية بما يرفع من شأنها، ويعزز جانبها، لمواجهة التحديات الجسام التي تتعرض لها، وأن يلهم قادتها ومسؤوليها الحكمة والسداد لتوحيد الصف والكلمة، وتعزيز أركان التضامن الإسلامي، لدرء المخاطر التي باتت تهدد العالم الإسلامي.
سدد الله الخطى وبارك في الجهود، والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات: